رأيت لزاماً عليَّ أن أشير إلى مسألة مهمة تتعلق بحذر المعالج الشديد في التعامل مع الحالات المرضية التي تعرضت للسحر عن طريق ( سحرة الشياطين ) ، ويطلق على هذه الفئة ( السعالى ) أو ( الغيلان ) ، وهذا النوع من الشياطين متعفرت متمرد شديد البأس قوي الشكيمة ، يحتاج للسلاح القوي الذي يرد كيده ، ويلجم جماح قوته وجبروته ، ولن يكون ذلك إلا لمن صح اعتقاده ، ورسخ إيمانه ، وقويت عزيمته ، وتيقن في اعتماده وتوكله ، فكل ذلك كفيل بأن يرد ظلمهم ويكبح جماح بطشهم ، ويستطيع المعالِج النيل منهم ، ورد كيدهم بإذن الله تعالى ، ولن يستطيعوا قهره أو إذلاله أو النيل منه والوصول إليه 0
وإيذاء هذا النوع شديد كما أسلفت آنفا ، ولا بد للمعالِج من محاربتهم باليقين واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، وتحصين نفسه وأهل بيته بالأذكار الثابتة المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
وقد يصل هذا النوع من سحرة الجن إلى ما لا يصل إليه سحرة الإنس من أفعال شيطانية خبيثة 0
وقبل أن أورد أقوال أهل العلم في هذا المصطلح – أعني السعالي أو الغيلان - أود أن أبين الفرق بينهما كما بينته المعاجم اللغوية 0
في ذلك يقول الشيخ مشهور حسن سلمان في كتابه الموسوم " الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي " تحت عنوان " الفرق بين الغول والسعلاة " : ( يرى كثيرون ( !! ) أن الغول لا يرى إلا ليلاً 0 ويزعم بعضهم : أنه يتلاشى عندما يطلع النهار ، وينطفئ كما ينطفئ السراج ( !! ) 0 وفرق بعض العلماء بين " الغول " و " السِّعلاة " من هذه الحيثية ، أعني : من حيث وقت خروجه 0
قال السهيلي في " الروض الأنف " : ( 7 / 295 – طبعة محققة ) " والغول التي تتراءى بالليل ، والسٍّعلاة ما تراءى بالنهار من الجن 0 وقال ابن كثير في "التفسير" : ( 1 / 313 ) : " والغول : في لغة العرب : الجان إذا تبدى في الليل "0 وقال القزويني في "عجائب المخلوقات" : ( 2 / 177 ) : " والسِّعلاة هي نوع من المتشيطنة ، مغايرة للغول " 0 وفرق الدميري في " حياة الحيوان الكبرى " : ( 2 / 21 ) بينهما ، بقوله : السِّعلاة : أخبث الغيلان " 0 وقال الجاحظ في " الحيوان " : ( 6 / 159 ) : " السِّعلاة : اسم لواحدة من نساء الجن ، إذا لم تتغول – أي تتلون – لتفتن السُّفار " وعقب عليه محققه الأستاذ عبدالسلام هارون : " لم أجد هذا التقييد في السِّعلاة لغير الجاحظ ) ( الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي – ص 56 ، 58 ) 0
* أقوال أهل العلم في السعالي والغيلان :
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( إن الغيلان ذكروا عند عمر فقال : إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ، ولكن لهم سحرة كسحرتكم ، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا ) ( قال ابن حجر : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - 6 / 344 - أنظر لسان العرب - 11 / 508 ، وأخرجه عبدالرزاق الصنعاني في " مصنفه " – 5 / 162 – برقم ( 9249 ) 0
قال الشيخ مشهور حسن سلمان : والشّيباني ، هو : سليمان بن أبي سليمان ، واسمه : فيروز ، وقيل : خاقان ، وقيل : عمرو ، أبو اسحاق الشيباني مولاهم 0 قال الجوزجاني : رأيت أحمد يعجبه حديث الشيباني ، وقال : هو أهل أن لا ندع له شيئاً 0 وقال ابن أبي مريم عن ابن معين : ثقة حجة 0 وقال أبو حاتم : ثقة ، صدوق ، صالح الحديث 0 ووثقه العجلي والنسائي 0 وقال ابن عبدالبر : هو ثقة حجة عند جميعهم 0 انظر : " التهذيب " : ( 4 / 172 – 173 ) و " تاريخ الثّقات " للعجلي : رقم ( 612 ) ، وسير أعلام النبلاء " : ( 6 / 193 – 195 ) ، و " الجرح والتعديل " : (4 / 122) ، و"ثقات ابن حبان" : (3 / 90) ، و " تذكرة الحفاظ : ( 1 / 153) ، و " التاريخ الصغير " : ( 2 / 57 ) 0 وأسير بن عمرو هو أسير بن جابر ، وفرق بعضهم بينهما ، والصحيح أنهما واحد 0 وأهل الكوفة يقولون : يسير ، بالياء ، وهو ثقة ، وتصحفت في مطبوع " مصنف ابن أبي شيبة " وفي " الفصل " إلى : " بشير " 0 أنظر الأوهام التي في مدخل الحاكم " : رقم ( 13 ) وتعليقنا عليه 0 فهذا الأثر : إسناده صحيح ، ثم قال – حفظه الله - : وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " : ( 10 / 397 ) عن ابن فضيل عن الشيباني به ، وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : ( 6 / 344 ) : " وإسناده صحيح " ، وأخرجه ابن حزم في " الفصل في الملل والأهواء والنحل " : ( 5 / 5 ) من طريق محمد بن سعيد بن بيان حدثنا أحمد بن عبد البصير قال : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبدالسلام الخشني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبدالرحمن بن المهدي حدثنا سفيان الثوري به – الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي – 86 – 87 ) 0
قال النووي : ( قال العلماء : السعالي بالسين المفتوحة والعين المهملتين ، وهم سحرة الجن ، أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخيل ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 381 ) 0
قال المناوي : ( قال في الأذكار الغيلان جنس من الجن والشياطين وهم سحرتهم ) ( فيض القدير - 1 / 318 ) 0
قال ابن الأثير : ( الغول أحد الغيلان ، وهي جنس من الجن والشياطين ، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولا : أي تتلون تلونا في صور شتى ، وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم ، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله ) ( غريب الحديث – 3 / 396 ) 0
قال المازري : ( ومنهم – يعني الجن – الغيلان والسعالى ، وطبعهم الفساد في الأرض ، يخوفون النساء والصبيان ، ويطعنون في خواصرهم وأصلابهم ، وينجسون المياه ، ويفسدون الأطعمة بأنواع المفاسد ، ويتأذى منه من شرب منه أو أكل بقضاء الله تعالى وقدره ) ( حاشية الرهوني على شرح الزرقاني – 2 / 89 ) 0
قال القرطبي : ( وقد ادّعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان ) ( الجامع لأحكام القرآن - 15 / 87 ) 0
قال ابن عابدين عند حديثه عن المواضع التي يندب لها الأذان في غير الصلاة : ( وعند تغول الغيلان : أي عند تمرد الجن ، لخبر صحيح فيه ، كذا قال الرملي الشافعي في " حاشية البحر " 0 وعلق عليه ابن عابدين الحنفي : " ولا بعد فيه عندنا " ) ( حاشية ابن عابدين - 1 / 385 ) 0
ذكر الجاحظ في كتابه " الحيوان " عن بعض أصحاب التفسير في الآية : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ( سورة الجن – الآية 6 ) : ( أن جماعة من العرب كانوا إذا صاروا في تيه من الأرض ، وتوسطوا بلاد الوحوش ، خافوا عبث الجنان والسّعالي والغيلان والشياطين ، فيقول أحدهم ، فيرفع صوته : إنّا عائذون بسيّد هذا الوادي !! فلا يؤذيهم أحد ، وتصير لهم خفارة !! ) ( الحيوان – 6 / 462 ) 0
قال القزويني : ( رأى الغول جماعة من الصحابة ، منهم : عمر بن الخطاب ، حين سافر إلى الشام قبل الإسلام ، فضربها بالسيف ) ( عجائب المخلوقات – 2 / 176 – 177 ، ونقله عنه الدميري في " حياة الحيوان الكبرى" - 2 / 196 ) 0
قال المسعودي : ( وقد ذكر جماعة من الصحابة ذلك ، منهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه شاهد ذلك في بعض أسفاره إلى الشام ، وأن الغول ، كانت تتغول له ، وأنه ضربها بسيفه ، وذلك قبل ظهور الإسلام ، وهذا مشهور عندهم في أخبارهم ) ( مروج الذهب - 2 / 169 ) 0
ويستدل على وجود الغول أيضاً ما ذكره الحافظ بن حجر في الفتح حيث قال : ( روى ابن عبدالبر عن وهب بن منبه : أن الجن أصناف : فخالصهم : ريح ، لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتوالدون 0 وجنس منهم : يقع منهم ذلك 0 ومنهم : السعالي والغول والقطرب ) ( فتح الباري - 6 / 345 ) 0
قال الشيخ مشهور حسن سلمان تحت عنوان " إرشادات في دفع الغول وصرفه " : ( لم يترك أمراً يقرّبنا من الخير ، ويباعدنا من الشر ، إلا ذكره لنا ، ومصداق ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه – برقم ( 1844 ) بسنده إلى عبدالله بن عمرو بن العاص رفعه : " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم " ومن الأمور التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح في دفع شر الغول : التسمية ، وقراءة آية الكرسي ، وقراءة خاتمة البقرة ، ورفع الخوف النفسي من الغول ، والهدأة بعد سكون الناس وعدم مشيهم واختلافهم في الطرق ، وقراءة سورة : ( لايلافِ قُرَيْشٍ000 ) ( سورة الجن – الآية 6 ) والدعاء بعدها ( ذكره السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " : ( 3 / 303 – ط بيروت ) ونقله السخاوي في " الإبتهاج بأذكار المسافر والحاج " : ( ص 17 – 18 ) عن النووي ، لكنه قال : " ولم أقف على حديث في ذلك " ) 000 ، والأذان ) ( الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي – باختصار - ص 111- 119 ) 0
قال الأستاذ ماهر كوسا : ( الغول وهو ساحر الجن : وهو أشد قوة من ساحر الإنس والعلاقة بينهم واحدة لا تنفصل فهي مدرسة يتفنن فيها مع الهوى للأذى ويفشي أسراره لصاحبه ليتمكن حسب الحاجة من عمل الأذى للآخرين ) ( فيض القرآن في علاج المسحور - ص 16 ) 0
قلت : ومن سياق أقوال أهل العلم يتضح جلياً أن السعالي والغيلان هي حقيقة واقعة ، ولا يمنع أن يكون هذا النوع هم سحرة الجن كما بين ذلك بعض أهل العلم الأجلاء ، والله تعالى أعلم 0
http://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=1790